نُشرت في 3 يونيو 2016
الكاتب الراحل صلاح حافظ، كان من أحب الصحفيين إلينا منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتى نهاية الثمانينيات، كان كاتبا موهوبا، صادقا، جادا، ورشيق العبارة وخفيف الظل، كان أيضا يسارى الميول، فى وقت كنا كلنا فيه نحمل آمالا واسعة فى التقدم والإصلاح الاجتماعي، فجذبنا أيضا بالتزامه السياسى واستقامته. فوجئت منذ أيام قليلة، بأن وجدت له مقدمة لكتاب يحتوى على رواية (هى أيضا سيرة ذاتية) لكاتب لم أكن قد سمعت عنه قط، فإذا بى أجد صلاح حافظ يصف الكتاب، الذى صدر لأول مرة فى 1987، بـ«الزلزال»، وقال إنه «لم يسبق فى تاريخ الرواية العربية عمل من هذا الطراز»، اذا كان صلاح حافظ يصف هذه الرواية بهذا الوصف، فلابد أنها فعلا كذلك! فلما قرأتها، كانت المفاجأة الأخري، انى وجدتها تستحق من الثناء أكثر مما أسبغه عليها صلاح حافظ، واذا بها من أجمل ما قرأت من روايات أو سير ذاتية على الإطلاق.
المؤلف هو «فكرى الخولى»، واسم الكتاب «الرحلة» ونشرته دار الكرمة، وما أتكلم عنه هو الجزء الأول، ثم عرفت أنه صدر بعده الجزءان الثانى والثالث، نشرا لأول مرة فى 1991، و1992، ثم نشر هذان الجزءان مجتمعين فى مجلد واحد، منذ شهور قليلة عن طريق دار الكرمة أيضا، ولكن الجزء الأول رواية مكتفية بذاتها، قال عنها صلاح حافظ فى مقدمته، إن فكرى الخولى كان يروى له أحداثها، هو وبقية المسجونين بتهمة الشيوعية أو الماركسية أو الاشتراكية، فى سجن الواحات فى أوائل الستينيات، وأن صلاح حافظ فُتن بما كان الرجل يرويه لهم، فألح عليه أن يكتبها، فإذا به يبدأ فى كتابتها وهو فى السجن، على ورق البفرة وعلب الكبريت ووريقات علب السجائر، ثم يجرى تهريبها من السجن لتجمع فى كتاب. (….)
(….) وأضاف صلاح حافظ «فى اعتقادى أنه سيمضى وقت طويل جدا قبل أن يظهر عمل أدبى مشابه فى مصر والبلاد العربية». (….)
(…..) من أجمل مقاطع الرواية وصفه هذا اللقاء ثم الوداع، هذا الوصف الصادق للمشاعر، والخالى من أى عاطفية مصطنعة، ولا أذكر انى صادفت فى رواية أخرى مثل ما وجدته فى هذه الرواية من وصف لاختلاط مشاعر الحزن بالفرح فى وداع الفتية المغادرين فى الصباح التالى الى المدينة الكبيرة، إذ تجتمع الأسر وتبكى الأمهات، ولكن تصر الفتيات من الأقارب والجيران على أن يتركن فى قلوب الشباب المغادر ذكرى لجمالهن ودلالهن، فتأتى إحداهن بطبلة ويشرعن فى الرقص، وسرعان ما يتخلصن من المناديل التى تغطى الرءوس، وينسال الشعر على الصدور..الخ.
لا أذكر أيضا أنى صادفت فى رواية أخرى وصفا بهذه العذوبة، لموقف من مواقف الغزل والمداعبة الجنسية، كالذى قرأته فى هذه الرواية بين بطل الرواية (فكري) الذى لم يبلغ العشرين، وبنت من أقربائه (رقية) التى تكبره بسنتين أو ثلاث، إذ تقوده الى حقل من حقول الذرة، وتبذل جهدها، وهو الساذج الغشيم عديم التجربة فى هذه الأمور، لكى تحصل منه على قبلة، مستخدمة فى ذلك الحيلة وهى أن تدعوه الى مصارعتها كما كان يصارع بالأمس بعض الفتية من أصدقائه، يجرى هذا الوصف دون أى بذاءة بالطبع، ودون أى كلام صريح، فتحل المشاعر الإنسانية محل الإثارة الجنسية، مما يجدر أن يقرأه بعض المدافعين عن روايات بذيئة بزعم ضرورة الكلام الصريح عن الجنس، أو الزعم بأن كل شيء يجب أن يقال.
جلال أمين
نشر في الأهرام اليومي بتاريخ 30 مايو 2016
لقراءة المقال كاملاً: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/519445.aspx