المغامرة البشرية

هذا الاستخراج من مقالة “انتقال النظريات” عن كتاب “العالم، النص، والناقد” للبروفيسور الراحل إدوارد سعيد وهو يضم واحد من إشارات عديدة عند كُتّاب مختلفين إلي مصطلح “المغامرة البشرية” الوارد في صدر مهمة هذه المدونة. والطريقة التي ننظر بها إلي “المغامرة البشرية” تتحقق بجلاء في إشارة سعيد في هذا الاستخراج إلي “المقاطعات الصغيرة”، وفي هذه “المقاطعات” يتمثل الدرب البحثي الذي نسير فيه.

وقد اعتمدنا ترجمة الأستاذ اسعد رزّوق للمقالة المنشورة في مجلة الكرمل الفلسطينية عام 1983، وأخذنا عنها في تصدير مهمة المدونة جملة ان “نتحرك بروح من التشكيك المقترن بالبحث والاستقصاء” رغم ان سعيد كتبها في النص الانجليزي to move’ skeptically’. فقط حَوّلنا (التشكيك) إلي (التشكك).

محرر المدونة.

———-

“انتقال النظريات”- عن كتاب “العالم، النص، والناقد” لإدوارد سعيد

من ترجمة الأستاذ اسعد رزّوق

قد تبدو هذه النتيجة المستخصلة غير متوقعة، لكن انواع النظريات، التي كنا نبحث فيها، يمكنها ان تتحول بسهولة إلي عقيدة حضارية، أو ثقافية جامدة ومتحجرة. وحين تنتسب هذه النظريات إلي مدارس، أو مؤسسات، فسرعان ما تكتسب وضعاً سلطوياً ضمن الجماعة الثقافية، او النقابة، او الأسرة الانتسابية. وبينما ينبغي، بالطبع، تمييز هذه النظريات عن أشكال من العقيدة الثقافية الجامدة، وهي أشكال أشد فظاظة، مثل العرقية “العنصرية”، والقومية، فإنها تتسم بالمكر والخديعة، ذلك ان مصدرها الأصلي -تاريخها القائم علي الإنحراف الخصامي والمعارض -يؤدي إلي تبلد الوعي النقدي، مقنعاً إياه بإن نظرية كانت عصيانية في الماضي، لا تزال عصيانية، ومفعمة بالحيوية، وسريعة الإستجابة للتاريخ. فالنظرية لو تُركت للمختصين بها، ولمساعديها، ومعاونيها -إذا جاز القول- تنزع نحو تشييد الجدران حولها. لكن هذا لا يعني انه ينبعي للنقاد ان يتجاهلوا النظرية، ولا التطلع حولها بيأس، بحثاً عن نوعية اكثر حداثة. أن نقيس المسافة بين النظرية حينذاك، والىن، هناك، وهنا، وان نسجل اللقاء بين النظرية والمقاومات لها، وان نتحرك بروح من التشكيك المقترن بالبحث والاستقصاء، في العالم السياسي الأوسع، حيث ينبغي النظر إلي أشياء مثل “الإنسانيات” أو “الروائع الكلاسيكية” علي انها مقاطعات صغيرة للمغامرة البشرية، وان نرسم معالم المنطقة بكاملها، التي تغطيها أساليب نشر بذور الأفكار، والاتصال، والتفسير، وان نحافظ علي نوع من الإيمان المتواضع (وربما المتقلص) بالمجموعة الإنسانية القائمة علي اللاعنف: إذا، لم تكن هذه الأمور واجبات إلزامية، فهي تبدو علي الأقل، انها بدائل ذو جاذبية شديدة. ولنتساءل، في النهاية، ماهو الوعي النقدي، في صميمه، إن لم يكن نزوعاً نحو البدائل لا يمكن إيقافه؟

مجلة الكرمل/العدد رقم (9)/يوليو 1983

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *