القاهرة – السنة الأولي – 15 يناير 1933.
ملاحظة في صدر المقال: يشترك في تحرير المجلة: الدكتور طه حسين وأعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر.
وأخيراً تغلب العزم المصمم علي التردد الخوار فصدرت الرسالة: وما سلط علي نفوسنا هذا التردد إلا نُذر تشاع وأمثال تروي.. وكلها تصور الصحافة الأدبية في مصر سبيلاً ضلت صواها وكثرت صرعاها فلم يوف أحد منها علي الغاية، والعلة أن السياسة طغت علي الفن الرفيع، والأزمة مكنت للأدب الرخيص، والأمة من خداع الباطل في لبس من الأمر لا تمييز ما تأخذ مما تدع! فلما تناصرت علي هذه الوساوس حجج العقل، ونوازع الواجب، وعدات الأمل، أصبحت الأسباب التي كانت تدفع إلي النكول بواعث علي الاقدام وحوافز للعمل، لأن غاية (الرسالة) أن تقاون طغيان السياسة بصقل الطبع، وبهرج الأدب بتثقيف الذوق، وحيرة الأمة بتوضيح الطريق.
أجل هذه غاية الرسالة! وما يصدقنا عن سبيلها ما نتوقع من صعاب وأذي، فأن أكثر الناهضين بها قد طووا مراحل الشباب علي منصة التعليم، فلا يُعيبهم أن يُخلقوا بُزد الكهولة علي مكتب الصحافة، والعملان في الطبيعة والتبعة سواء، ومن قضي ربيع الحياة في مجاذب ذلك، لا يشق عليه أن يقضي خريفها في مجاهل هذا!
أما مبدأ الرسالة فربط القديم بالحديث، ووصل الشرق بالغرب. فبربطها القديم بالحديث تضع الأساس لمن هار بناؤه علي الرمل، وتقيم الدرج لمن استحال رقيه بالطفور!
وبوصلها الشرق بالغرب تساعد علي وجدان الحلقة التي ينشدها صديقنا الأستاذ أحمد أمين في مقاله القيم بهذا العدد. والرسالة تستغفر الله بما يخامرها من زهو الواثق حينما تعد وتتعهد. فأن اعتمادها علي الأدباء البارعين والكتاب النابهين في مصر والشرق العربي، واعتصامها بخلصائها الأدنين من أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر، وهم صفوة من خرّجَت مصر الحديثة في مناحي الثقافة، إذا اجتمعنا في نفسها مع ما انطوت عليه من صدق العزم وقوة الإيمان أخذنا هذه الثقة التي تشيع في الحديث عن غير قصد.
علي أن للرسالة من روح الشباب سنداً له خطره وأثره، فإنهم أحرص الناس علي أن يكون لثقافتهم الصحيحة مظهر صحيح. وما دامت وجهة الرسالة الاحياء والتجديد، وطبيعة الشباب الحيوية والتجدد، فلا بد أن يتوافيا علي مشروع واحد!
فإلي أبناء النيل وبردي والرافدين تتقدم بهذه الرسالة، راجين أن تضطلع بحظها من الجهد المشترك في تقوية النهضة الفكرية، وتوثيق الروابط الأدبية، وتوحيد الثقافة العربية، وهي علي خير ما يكون المخلص من شدة الثقة بالمستقبل.
وقوة الرجاء في الله،
أحمد حسن الزيات.